هل يجوز ضرب الزوجة لا بد للزوج أن يعظ زوجته أولاً ، فإن نفع الوعظ معها فبها ونعمت، وإن لم ينفع مع الزوجة الوعظ قام بهجرها في المضجع ، فإن أخفق هجر الزوج لها في ردها إلى جادة الصواب والعقل ، فإنه حينئذ له أن يلجأ إلى الضرب كأي متخلف آخر من الرجال ، وليس المقصود بالضرب هنا إلحاق الأذى بالزوجة كأن يكسر أسنانها ولا يبقي على شعرة من شعر رأسها أو يشوه وجهها أو يكسر قدمها أو يدها أو يقلع عينها ، وإنما المقصود بالضرب هو إصلاح حال المرأة وتأديبها ، ويكون الضرب غير مبرح ( وكأن البدوي والمتخلف يعرف ما هو الضرب غير المبرح ) اتقوا الله والإنسانية أيها القوم ، وكذلك لا يجوز الضرب على الوجه وجميع المواضع الحساسة في الجسد . قال الرسول الكريم : ( اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح ) رواه مسلم . -وقال أنبل الخلق أجمعين في خطبة الوداع : (استوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عوان عندكم ، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبتغوا عليهن سبيلاً ، ألا إن لكم على نسائكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن رواه الترمذي ، وقال: حسن صحيح . -وقال الإمام البخاري في هذا الصدد : تحت باب ما يكره من ضرب النساء ، وقول الله عز وجل واضربوهن أي ضرباً غير مبرح " ، ثم ساق البخاري بإسناده هذا إلى النبي صلى الله عليه ولآله وسلم أنه قال : لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ، ثم يجامعها في آخر اليوم وقال أيضا الحافظ ابن حجر معلقاً على عنوان هذا الباب: فيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقاً ، بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم وعن سيدتنا عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله شيئاً قط ، ولا امرأة ولا خادماً ، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل) رواه مسلم ، وعلى هذا الحديث أختم قولي .
لماذا يضرب الزوج زوجتهالضرب هو إلحاق الأذى والألم من قِبلِ شخص تجاه شخصٍ آخر. والضرب في العادة يكون وسيلة للعقاب مهما اختلفت الأسباب أو الأشخاص الموجَّه ضدهم، فضرب خصم يكون لعقابه على أمرٍ اقترفه بحقِّ من ضربه؛ حيث أن الضارب يجد أن المضروب قد اقترف عملاً أو قال شيئاً يستحقُّ العقاب. في مجتمعنا القديم؛ كان الضرب هو الوسيلة الأساسية لتربية الأبناء، فكان الأب أو الأم يقوم بضرب الطفل لأنه اقترف فِعلاً خاطئاً وتجبُ معاقبته عليه. ولا يختلف الأساس في موضوع الضرب حين نذكر ضرب الرجل لزوجته، فبالنسبة له، هي قامت بفعلٍ أو قالت شيئاً تستحق أن تُضرب عِقاباً عليه. هناك أسبابٌ عديدة تجعل الرجل يُقدِم على ضرب زوجته، من أهمها مفهوم الرجولة القائل بأن الرجل هو المتحكِّم بزمام الأمور، الرأي رأيه والمشورة مشورته، فالمرأة عند مثل هذا النوع من الرجال ليست سوى أداة للمتعة الجنسية والخدمة في البيت وإنجاب الأطفال، لا رأيَ لها ولا قيمة لوجودها تتعدى ذلك، فتكون محاولتها أن تقول رأيها عبارة عن وقاحة تستلزم العقاب، إذا طلبت شيئاً مهما كان فإنه يعتبره تجاوزاً لحدودها التي اقتنع بأنها نهاية وجودها، وهذا سببه الرئيسي النَّشأة التي نشأ عليها الرجل منذ حداثته، فقد تربى على أن المرأة متاع لا أكثر، وأن أي خطأ منها مهما كان يستلزم العقاب، وهناك احتماالٌ كبير أن يكون قد رأى والده يُعاقب أمه بالضرب؛ فترسَّخت له هذه المعتقدات ويبدأ بالتعامل بها مع زوجته. وهناك من يضرب زوجته لأنها تجاوزت معه حدود الأدب، كأن قمت بشتمه أو بالتطاول على أحدٍ من عائلته بكلامٍ قبيح؛ أو قامت بضربه، فهُنا قد يفقد الرجل رباطة جأشه ويضرب زوجته. وهذا الأمر لا علاقة له بعلاقته الأسرية وتربيته، بل يكون نتاج لحظة غضب؛ لم يستطع تمالك نفسه. وهناك حالات يضرب فيها الرجل زوجته لأنه متعكر المزاج، أو كان يومه سيئاً فيصبُّ عليها غضبه وسخطه، فبدلاً من أن يجعل منها الصدر الحنون والملجأ الذي يأوي إليه؛ يجعل منها كيس ملاكمة ليفرِّغ بها غضبه. العديد من الرجال الذين يضربون نساءهم، يستشهدون بكلام الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم حين قال (لرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)، ولكنهم ينسون ثلاثة أمور مهمة جداً، الأول أن الضرب جاء كآخر وسيلة لتقويم المرأة التي بان نشازها، فقد جاء قبل الضرب العِظة والهجرُ في المضجع، فمن يضرب زوجته من باب تأديبها لنا أن نسأله "هل قمت بوعظِها؟ وإن فعلتَ ولم تتَّعِظ، هل هجرتها في المضجع؟" بعد هاتين الوسيلتين يأتي الضرب. والأمر الثاني؛ أن الضرب لا يكون إلا في حال نشوز الزوجة وليس كيفما اتفق معه، وحدَّد العلماء النشوز بأربع حالات أو بما في معناها وهي خروج الزوجة من بيت زوجها بدون إذن، منعه نفسها بدون مانع شرعي، ترك أمر منعها منه، وعدم طاعته. والأمر الثالث أن الضرب في الإسلام لا يكون نهائياً بما يترك علامات أو ندوب أو جروح، الضرب يجب ألا يكون مبرحاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنّ لكم عليهنّ ألاّ يوطئن فُرُشَكم أحداً تكرهونه ، فإنْ فعلنَ فاضربوهنّ ضرباً غير مبرّح)، بل إن البعض قال أن الضرب يكون بالسوط والمِرفق مشدودٌ إلى جنبه، أي تكون الحركة فقط من المرفق إلى الكف، والهدف منها ليس الإيذاء الجسدي؛ بل إشعارها بأنها أخطأت ومُعاقبتها نفسياً. ويجب ألا يزيد العدد عن عشر ضربات لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يجلد أحدٌ فوق عشرة أسواطٍ إلاّ في حدّ من حدود اللّه). ويجب على كل رجلٍ أن يعلم أن من ضرب زوجته ظلماً؛ سيُقتصُّ منه يوم القيامة جراء الظلم الذي اقترفه لقوله عليه الصلاة والسلام (مَنْ ضَرَبَ سَوْطاً ظُلْماً اقتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَة)، فإتق الله يا عبد الله في أمة الله، فإنها شريكتك وليست أجيرة عندك، والدين لم ولن يكن تفصيلاً ولا تجزئة؛ فتأخذ منه ما تريد وتُلقي بما لا تريد، اعرف ما لك وما عليك قبل أن تستخدم الدين وسيلة، فالظلم طلماتٌ يوم القيامة.
تعليقات
إرسال تعليق