دون وضوء إذا قرأ المسلم القرآن وكان على الحدث الأصغر وليس الأكبر بشرط عدم لمس المصحف فذلك جائز، خاصّة لغايات التعلّم والتدبّر، فتجوز قراءة القرآن الكريم بإجماع العلماء، إلا أنّ الأفضل أن يكون على طهارة، قال النووي (أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدث، والأفضل أن يتطهر لها)، أما عن لمس المصحف فلا يجوز ألا بطهارة بإجماع الأئمة الأربعة، أما كل من الأئمة الحاكم، وحماد، وداود الظاهري فذهبوا إلى جواز الأمر استناداً إلى الحديث الشريف عن الرّسول عليه السّلام: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ). أمّا إذا كان على الحدث الأكبر وكان الرجل على جنابة فلا يجوز له قراءة القرآن سواء بمسّه أو دون ذلك، ولا يتمّ له الإمر إلا حين يغتسل من الجنابة،والدليل على ذلك الحديث الشريف الوارد عن الرّسول عليه السّلام: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يحجزُه شيءٌ عن القرآنِ إلا الجنابةُ، وفي روايةٍ إنه لمَّا خرجَ من قضاءِ الحاجةِ قرأ بعضَ القرآنِ، وقال: هذا لمن ليس جنبًا، أما الجنبُ فلا ولا آيةً). أما ما قيل عن الحائض والنفساء فقد انقسم العلماء إلى قسمي: أحدهم يقول بعدم جواز قراءتهما للقرآن لأنه حدث أكبر، والقسم الآخر قال بجوازه؛ لأن فترة الحيض والنفاس غير دائمة، ولا يُصنّفا من الحدث الأكبر.
فضل قراءة القرآن الكريم
حرص الدين الإسلامي على تشجيع المسلمين لقراءة القرآن الكريم، وذلك لأسباب عديدة ينالها العبد، ومن أهمّ هذه الأمور ما يأتي:[٧] تنزل السكينة على المسلم عند قراءة القرآن، وتحفّه بالملائكة، وإذا تدارسه مجموعة من المسلمين معاً يكون الأجر مضاعفاً، وذلك استناداً إلى الحديث الشريف عن الرّسول عليه السّلام: (ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ ويتدارسونَهُ فيما بينَهم، إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ)،[٨] وقد حثّ الرّسول عليه السّلام صحابته في المداومة على قراء القرآن الكريم لفضله الكبير، وهو كما ورد في الحديث الثّابت عنه عليه السّلام: (قال النبي صلى الله عليه وسلم لأُبَيّ: إن اللهَ أمرني أن أقرأَ عليكَ القرآنَ. قال أُبيّ: آلله سمّانِي لكَ؟ قال: الله سمّاكَ لِي. فجعل أُبَيّ يبكِي. قال قتادة: فأُنبئتُ أنه قرأَ عليه: لَمْ يَكُنِ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ). لقارئ القرآن الكريم حسنات مضاعفة، فيحصد المسلم الكثير من الخير بالقراءة وحدها، وهو أمر ورد في الحديث الشريف عن الرّسول عليه السّلام: (من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقول ألم حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حَرفٌ، وميمٌ حَرفٌ). قارئ القرآن الكريم يرتقي لمرتبة يكون فيها من أهل الله تعالى، فقد قال الرّسول عليه السّلام في الحديث الشريف: (إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاسِ. قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، من هُم؟ قالَ: هم أَهْلُ القرآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ). القرآن الكريم يشفع لقارئه يوم القيامة، كما أنّ لبعض السّور فيه خاصّية مميّزة وفضل يعود على المسلم، فقد ثبت الأمر هذا في الحديث الشريف عن الرّسول عليه السّلام حين قال: (اقْرَؤوا القرآنَ، فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه. اقرَؤوا الزَّهرَاوَين: البقرةَ وسورةَ آلِ عمرانَ، فإنهما تأتِيان يومَ القيامةِ كأنهما غَمامتانِ، أو كأنهما غَيايتانِ، أو كأنهما فِرْقانِ من طيرٍ صوافَّ، تُحاجّان عن أصحابهما. اقرَؤوا سورةَ البقرةِ، فإنَّ أَخْذَها بركةٌ، وتركَها حسرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلَةُ. قال معاويةُ: بلغني أنَّ البطلَةَ السحرةُ. وفي رواية: مثله. غير أنه قال: وكأنهما في كلَيهما، ولم يذكر قول معاويةَ: بلغني).قراءة القرآن الكريم طريق لينال المسلم فيها الدرجات العليا في الجنة، قال الرّسول عليه السّلام في الحديث الشريف: (يُقالُ لصاحبِ القُرآنِ يومَ القيامةِ: اقرَأْ، [وارْقَ]، ورتِّلْ كما كُنْتَ تُرتِّلُ في دارِ الدُّنيا، فإنَّ منزلتَك عندَ آخِرِ آيةٍ كُنْتَ تقرَؤُها).
قراءة القرآن الكريم في الكتاب والسّنة
(الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). (قلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ).(إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا). (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ).(خيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه. قال: وأقرَأَ أبو عبدِ الرحمنِ في إمرةِ عُثمانَ حتى كان الحَجَّاجُ، قال: وذاكَ الذي أقعَدني مَقعَدي هذا).(الماهرُ بالقرآن مع السفرةِ الكرامِ البرَرَةِ. والذي يقرأ القرآنَ ويتَتَعْتَعُ فيه، وهو عليه شاقٌّ، له أجرانِ. وفي روايةٍ: والذي يقرأُ وهو يشتدُّ عليه له أجرانِ). (إنَّ مِمَّا يَلحقُ المؤمِنَ مِن عملِه وحسناتِه بعد مَوتِه: علمًا علَّمَه ونشرَه، وولدًا صالحًا تركَهُ، ومُصحفًا ورَّثه، أو مسجِدًا بناه، أو بيتًا لابنِ السَّبيلِ بناهُ، أو نهرًا أَجراه، أو صدقةً أخرجَها مِن مالِه في صِحَّتِه وحياتِه يلحقُه مِن بعدِ موتِه).
حكم قراءة القرآن من الجوال
أثناء الصّلاة قراءة القرآن من الجوّال أثناء الصّلاة من المسائل المُعاصرة التي فرضتها الحياة وتطوّراتها، والتطوّر التكنولوجيّ المُتسارِع الذي يُؤثّر في أنماط الحياة، ولذلك فلا يجد الباحث في الفقه الإسلامي ذكراً لقراءة القرآن من الجوال، إلا أنّ لهذه المسألة أصلاً وأساساً في الفقه الإسلاميّ، وهو حكم قراءة القرآن من المُصحف أثناء الصّلاة. وفيما يأتي عرض لآراء العلماء في حكم قراءة القرآن من المُصحف أثناء الصّلاة: ذهب أبو حنيفة إلى فساد الصّلاة بالقراءة من المُصحف مُطلقاً، قليلاً كان أو كثيراً، إماماً أو مُنفرداً، أُميّاً لا يمكنه القراءة إلا منه أو مُتعلِّماً، وذكروا لأبي حنيفة في علّة الفساد وجهين: الوجه الأول أنّ حمل المُصحف والنّظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير، والثّاني أنّه تمّ التّلقين من المُصحف فصار كما لو تمّ التّلقين من غيره، وعلى الثّاني لا فرق بين المُصحف الموضوع والمُصحف المحمول عنده، وعلى الأول يفترقان. واستُثنِي من ذلك ما لو كان حافظاً لما قرأه وقرأ بلا حملٍ للمُصحف فلا تفسد صلاته؛ لأنّ هذه القراءة مُضافةٌ إلى حفظه لا إلى تلقينه من المُصحف ومُجرّد النّظر بلا حمل غير مُفسِد؛ لعدم وجهَي الفساد. وقيل: لا تفسد ما لم يقرأ آية؛ لأنّه مِقدار ما تجوز به الصّلاة عنده. وذهب الصّاحبان أبو يوسف ومحمد إلى كراهة القراءة من المُصحف إن قَصَد التَشبُّه بأهل الكتاب. وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل يقول في التّعليل لأبي حنيفة: (أجمعنا على أنّ الرّجل إذا كان يُمكنه أن يقرأ من المُصحف ولا يمكنه أن يقرأ على ظهر قلبه أنّه لو صلّى بغير قراءة أنّه يُجزئه، ولو كانت القراءة من المُصحف جائزةً لما أُبيحت الصّلاة بغير قراءة).قال المالكيّة بكراهة القراءة من المُصحف في صلاة الفرض مُطلقاً، سواء كانت القراءة في أوّله أو في أثنائه، وفرّقوا في صلاة النّفل بين القراءة من المُصحف في أثنائها وبين القراءة في أوّلها، فكرهوا القراءة من المُصحف في أثنائها لكثرة اشتغاله به، وأجازوا القراءة من غير كراهة في أولها؛ لأنّه يُغتَفر فيها ما لا يُغتَفر في الفرض. ذهب الشافعيّة والحنابلة إلى جواز القراءة من المُصحف في الصّلاة. قال الإمام النوويّ: ( لو قَرَأ القرآن من المُصحف لم تبطُل صلاته سواء كان يحفظه أم لا، بل يجب عليه ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة كما سبق، ولو قلّب أوراقه أحياناً في صلاته لم تبطل).[وكل ما ورد من آراء في هذه المسألة ينطبق كذلك على حكم قراءة القرآن باستخدام الجوّال أثناء الصّلاة؛ فالقراءة من المُصحف أو من الجوّال أو من أيّ جهاز إلكترونيّ يعرض الآيات القرآنيّة، سواء كان جهازاً محمولاً باليد، أو جهاز عرض على الجدار، أو يُوضع على حاملةٍ أمام المُصلّي أو الإمام تنطبق عليه أحكام قراءة القرآن من المُصحف أثناء الصّلاة . خارج الصّلاة لا مانع من قراءة القرآن من الهاتف المحمول ما دام يُقرَأ بصورة صحيحة، والقارئ يقرأ مُراعياً أحكام التّلاوة وآدابها، وإنّما تُراعى هذه الآداب والأحكام إذا كان الهاتف تَظهر على شاشته صَفحات المُصحف، ويقوم القارئ بمُباشرتها بيده، أمّا عند إغلاقها أو إغلاق الهاتف فلا يُعتبر ذلك مُصحفاً ولا يأخذ أحكامه؛ فالمُصحف لا يُسمّى مُصحفاً إلّا إذا كان الكلام المكتوب فيه ظاهراً، فلو مُحِي منه الكلام (القرآن) لم يَعُد مُصحفاً، علماً بأنّه إذا قُرِئ دون مَسّ الشّاشة التي يظهر عليها القرآن جاز ذلك ما لم يكن جُنُباً. وإذا تمّ قراءة القرآن من الجوّال بخشوع وتدبُّر لم ينقص الأجر عن قراءته من المُصحف بإذن الله، فالمدار كلّه على حضور القلب وانتفاعه بالقرآن.
فضل قراءة القرآن من المُصحف
للفُقهاء في المُفاضلة بين قراءة القرآن من المُصحف وقراءته عن ظهر قلب ثلاثة اتّجاهات: إنّ القراءة من المُصحف أفضل لأنّ النّظر فيه عبادةٌ فتجتمع القراءة والنّظر.وقد ورد عن رسول الله - عليه الصّلاة والسّلام - أنّه قال: ( قراءة الرّجل في غير المُصحف ألف درجة، وقراءته في المُصحف تُضاعَف على ذلك ألفي درجة ).ويَستدلُّون لتَوجُّهِهم بما يُنسَب لأم المُؤمنين عائشة - رضي الله عنها - مرفوعاً: (النّظر في المُصحف عبادة، ونظر الولد إلى الوالدين عبادة).[١٥]، وهو حديث موضوع لا يَصلُح دليلاً. يرى أبو محمد بن عبد السّلام أنّ القراءة عن ظهر قلب أفضل؛ لأنّ المقصود من القراءة التدبّر، لقوله تعالى: (ليدّبروا آياته)،والعادة تشهد أنّ النّظر في المُصحف يخلّ بهذا المقصود، فكان مرجوحاً. هذا الاتّجاه يُراعي توفّر الخشوع والتدبّر، فإنّ حَافَظَ القارئ عن ظهر قلب على خشوعه فالقراءة عن ظهر قلب أفضل، وإن لم يُحافظ على تدبّره وتفكُّره، أو استَوَيا في التدبّر فالقراءة من المُصحف أفضل؛ وذلك لأنّه يجمع ما بين أجر التدبّر وأجر النّظر في المُصحف. قال النوويّ في الأذكار: (إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبّر والتفكّر وجمع القلب أكثر ممّا يحصل له من المُصحف، فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا فمن المُصحف أفضل، وهو مراد السّلف). وكل ما ينطبق على قراءة القرآن من المُصحف ينطبق على قراءة القرآن من الجوّال أو من أيّ جهاز يتمّ فيه عرض آيات القرآن الكريم؛ لتُقرَأ بالنّظر إليها، فقراءة القرآن، سواء كان من خلال الأوراق أو الأجهزة المُتطوّرة الحديثة، تُعتبر الأوراق والأجهزة لحظةَ عرضها القرآن مَصاحف، فإذا اختفت الآيات عن الأوراق، أو عن أجهزة العرض المُختلفة تفقد مُسمّى المُصحف، ولا تنطبق عليها أحكام المُصحف.
تعليقات
إرسال تعليق