القائمة الرئيسية

الصفحات

نخلة إعلامية في الغربة : محمد العلمي أو لغة المواطنة والجذور - إدريس العمارتي

نخلة إعلامية في الغربة : محمد العلمي أو لغة المواطنة والجذور - إدريس العمارتي
تبقى حياة الصحفي المغربي مراسل قناة الجزيرة بواشنطن محمد العلمي ،شهادة حية وكبيرة لسيرة إنسانية بصلابة الجبال .تتخفى وراءها روح مرحة شفافة ومرهفة ، تجذبك إليه لأول وهلة .وهو بقدر ما تجذبك سيرته المشحونة بالمعاناة والإرادة والتحدي والمغامرة وحب الحياة كذلك في أصفى مراقيها ، فهو يدعوك من خلال هذه السيرة الغنية إلى التأمل في نزعته الوطنية وارتباطه بالجذور .فما لامست يوما في كلامه أو مواقفه أو كتاباته وحواراته المتعددة والمتنوعة عبر الكثير من المنابر الإعلامية سواء قبل الهجرة خارج الوطن أو بعدها وإلى الآن خصاما مع وطنه و جذوره ، أو نظرة متعالية ناقصة إليهما ، بل هو أعاد تشكيل مسألة ارتباطه بالوطن والجذور المغربية من منظور أكثر عمقا وانفتاحا وكونية، مبني على التسامح والدفاع السلمي والسليم عن القيم الإنسانية المشتركة وتحصينها.
إن ولع السي محمد "الشريف" كما تعودت أن أخاطبه منذ أيام شبابنا المشترك ،بحب وطنه وارتباطه بجذوره ، هو ما فرض عليه القيام بالزيارات المتكررة لبلده ولمدينته المحبوبة فاس التي لا تفارق دروبها و أمكنتها وشخصياتها وعبقها التاريخي خياله ووجدانه .ومن خلال المكالمات الهاتفية والحوارات الفيسبوكية مع أبناء وطنه في الأعياد والمناسبات ، حيث لا حدود ولا بروتوكولات ولا تمييز بين هذا وتلك ، يسأل عن الأصدقاء وأهل الحومة يتذكر البسطاء منه واحدا واحدا ..، فهو يرى أن إسدال الستارة على الذاكرة المشتركة مع الناس كيف ما كانت أوضاعهم الإجتماعية فقراء أو أغنياء، متعلمون أو أميون مستقرون أو بوهيميون ، يجافي الحكمة ويناقض منطق الحياة ، مما يجعلك تحترمه وتخلق عاطفة قوية نحوه .طبعا كل ذلك داخل الحدود القصوى للإحترام التي يؤكد شخصه من خلالها باستمرار بأن الإقتراب من الوطن ومن أهله لا يقتصر على الحنين إليه ولا الإعتراف بذاكرته وجذوره وليس كذلك جواز سفر وحقيبة في حالة تأهب و استنفار دائمة من مطار إلى مطار ، فحسب بل إن الوطن شيء آخر أكثر جاذبية وإلهاما .
كما أن سحر الإنتماء إلى مهنة المتاعب الصحافة ، سواء في عاصمة أقوى دول العالم واشنطن ، أو في "أبو ظبي" بالإمارات العربية المتحدة كا ختيار ملتزم غني بمراحله و بتجاربه وتقلباته ومقالبه ، كان يعطيه كل مرة فرصة للإقتراب أكثر من الوطن والإحساس بهمومه ، قارئا ومتابعا ومنتقدا وموجها ومساعدا ، مصرا على أن يرى هذا الوطن الذي يحمله معه أينما حل وارتحل والذي له الفضل الكثير عليه والذي لا ينكره، من خلال الرؤية الواسعة التي تكونت لديه في صورة أجمل وأحسن .
عبر الهاتف يخاطبك دائما بعبارة : "كيف الحال مواطني العزيز" ، في عملية مزدوجة تحمل حقيقتين حميميتين : حقيقة السؤال عنك وحقيقة السؤال عن احوال الوطن . وقد أكسبته هذه العبارة النادرة في التواصل بين الناس شعبية جارفة وواسعة . وهي عبارة على بساطتها لم تأت من فراغ ولا تخلو من معنى ،أقل ما تتركه فيك حمولتها الرمزية هو ذلك الإنطباع العفوي الذي يزيدك يقينا فوق يقين من أن الرجل لا يتنفس الروح الوطنية الكاذبة أو المغشوشة في الهواء .
كل مرة يزور المغرب يغتبط بهذه الزيارة في لقاءاته الخصبة مع أصدقائه المثقفين والشعراء والصحفيين والفنانين والناس العاديين سواء في فاس ، الرباط ، الدار البيضاء ، مراكش ..أگدير وغيرها ،يحتفر لكل صديق في ذاكرته وفي قلبه ذكرى أو نكتة يسردهما كلما سنحت الظروف بالدعابة الراقية اللطيفة ، تعم البهجة والفرحة مكانه على نحو لا يوصف ، تتخل السرد سخرية حادة ولعب بالألفاظ الحمالة الأوجه غاية في الطرافة والإستنارة .فهو بعيد عن الوطن أبلغ وطنية وأعمقها وهو قريب منه حتى وهو غارق في السياسة الدولية ، يصل الشرق بالغرب والغرب بالشرق في تقاريره ومراسلاته ، حاضن للغة عربية فصيحة نحوا وتعبيرا ونطقا ومخارج حروف وصوتا، يذكرنا بأصوات المذيعين الكبار في الإذاعتين المشهورتين اللتين شنفتا أسماع المغاربة بما لذ وطاب من الأخبار العربية والعالمية قبل أن يزحف التلفزيون على البيوت : هنا لندن.. هنا القاهرة ..نموذج البالغ الروعة نخلة مغربية تعلي كلمة أمة صوتا إعلاميا مغربيا صافيا في ديار الغربة دبدبات يرفعها نشيد حب وطني رايته مرفوعة في السماء صادحة : هنا صوت المغرب الحر الأبي !!
وليس عجيبا أن تبقى صداقتنا موصولة بالإعجاب والمودة والتواصل منذ ما يقارب الأربعة عقود ،لم يعتورها فتور أو تشنج ، هي بالضرورة الصادقة دليل على أن الصداقات الحقيقية لا تموت بل تستمر باستمرار الحياة.
فتحية لكل مغاربة العالم الذين لا ينسون وطنهم وجذورهم وأصدقاءهم ، يزينون هامته ويرصعونها بأحلى وأجمل وسام .
نخلة إعلامية في الغربة : محمد العلمي أو لغة المواطنة والجذور - إدريس العمارتي

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع