العين حق ، هذا هو عنوان ما يعتقده المسلمون في حقيقة العين ، إنها قوة خفية تأثر على حياة الناس ، تأثر على صحتهم و على مالهم و أولادهم و نسائهم و حتى على دينهم ، فما هي حقيقة العين التي يؤمن بها المسلمون و ما هي أعراضها و أسبابها ، و كيف السبيل للوقاية منها و ما هي طرق العلاج من القرآن و السنة بفهم السلف الصالح ؟
جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنَ الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَكَانَ رَجُلا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ فَلُبِطَ سَهْلٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ قَالَ هلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ قَالُوا نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ ثُمَّ قَالَ لَهُ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ . وفي رواية قَالَ فَضَرَبَ صَدْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا قَالَ فَقَامَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيُبَرِّكْهُ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ .
ما هي العين ؟
لغة يقول ابن منظور في لسان العرب : يقال عان لرجل يعينه عينا فهو عائن، و المصاب معين على النقص، ومعيون على التمام، أصابه بالعين
و أما اصطلاحا فهو نظرة فيها استحسان تشوبها نزعة من الحسد و الخبث ،
ووصفها الإمام ابن القيم في زاد المعاد بأنها سهام من نفس الحاسد نحو المحسود و من نفس العائن نحو المعين تصيبه تارة و تخطئه تارة و بأنها إذا صادفته مكشوفا بلا وقاية أثرت فيه ولابد ، و إذا وجدته حذرا و مسلحا بالذكر لم تؤثر فيه
و ما هو الحسد ؟ و ما الفرق بينه و بين العين ؟
الحسد هو تمني زوال النعمة التي عند المحسود ، و الفرق بينه و بين العين أن العائن قد يعين جمادا أو حيوانا أو إنسانا دون أن يحسده أو يتمنى زوال نعمته ، بينما الحاسد فإنه يتمنى زوال النعمة من المحسود حتى لو لم يره بعينه ، فالعين لا تحصل إلا بالرؤية و الحسد قد يقع في الغيب و في عدم الالتقاء. ، و قال ابن القيم رحمه الله بأن العين جزء من الحسد و الحسد أعم منها بكثير فقال : [العين جزء من الحسد والحاسد أعمّ من العائن لذا كانت الإستعاذة منه إستعاذة من العائن]زاد المعاد ج4ص149.
و ما هو الفرق بين الحسد و الغبطة ؟
و قد ذكرت السنة الكريمة نوعا من الحسد لا يندرج تحت هذا الوصف الذي قدمنا له ، و هو في قوله عليه الصلاة و السلام : لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها ( رواه البخاري في صحيحه )
إذا فالغبطة أمر محمود و معناه تمني ما عند الغير دون طلب زواله له
هل العين حق و لها وجود في الواقع ؟
العين حق ، هذا ما يؤمن به المسلمون المؤمنون برسالة محمد عليه الصلاة و السلام ،مع أن العلم الحديث لا يستطيع إثباتها و لا إنكارها . فما هي الأدلة على وجود العين من القرآن و السنة و من العلوم التجريبية الحديثة .
1) من القرآن الكريم قال الله سبحان و تعالى في سورة القلم : وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ
قال الإمام البغوي عليه رحمة الله في تفسيره لهذه الآية أن الله تبارك و تعالى يحذر محمدا عليه الصلاة و السلام من الكفار بأنهم كادوا ليصرعونك بأبصارهم أو يزيلوك من الأرض بها
و أورد ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس و مجاهد و غيرهما: { لَيُزْلِقُونَكَ } لَيُنفِذونكَ { بِأَبْصَارِهِمْ } أي يعينونك بأبصارهم بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك و حمايته إياك منهم، و في هذه الآية دليل على أن العين إصابتها و تأثيرها حق بأمر الله عز و جل.
2 ) من السنة الكريمة .
و أما من السنة الشريفة فقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة تذكر العين بتفصيل و من جملتها
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: { العين حق ونهى عن الوشم } رواه البخاري و مسلم
2. عن عائشة رضي الله عنها و عن أبيها ، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: { استعيذوا بالله من العين فإن العين حق } رواه الحاكم و صححه الألباني
3. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { العين حق و لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، و إذا استُغسلتم فاغسلوا } رواه مسلم
ما هي أنواع العين ؟
بينت السنة الشريفة أن العين قد تكون من الإنس و قد تكون من الجن ، و الدليل على ذلك ما روته أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: { اسْتَرْقوا لها فإن بها نظرة } رواه الشيخان
قال الحسين بن مسعود : سفعة، أي نظرة يعني من الجن
قال ابن قتيبة: و السفعة لون يخالف لون الوجه
قال الخطابي: عيون الجن أنفذ من الإنس.
كيف تؤثر العين في المعين حسب الشرع الحنيف ؟
بين الإمام الحافظ بن حجر العسقلاني في فتح الباري بأن العين لها تأثير معنوي ، فهو سهم ينطلق من العين و يخترق الهواء ليصيب المعين في بدنه إذا لم يكن محميا بالذكر و التحصين ، و استشهد رحمه الله بوصف بعض من كان معيانا بأنه بعدما يعجبه شيء يحس بحرارة تخرج من عينيه نحو المعين فتصيبه
و قال ابن القيم رحمه الله بأن العين لا تستلزم وجود الأحداق أو النظر ، فالأعمى قد يعين إذا وصف له شيء يعجبه و إن لم يره
ما هو الضرر الذي يمكن للعين أن تسببه للمعيون ؟
العين قد تسقط الانسان
حذر النبي صلى الله عليه و سلم من العين بل و حذره ربه سبحانه و تعالى من عين الكفار ، فقال جل من قائل : وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ، فإن العين قد تزلق الإنسان أي تسقطه في الأرض أو تزيله من عليها
العين قد تقتل الإنسان
بل و صرح عليه الصلاة و السلام بأن أكثر أمة محمد يموتون بسبب العين فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن العين لتُولع بالرجل بإذن الله حتى يصعد حالقا فيتردى منه } صحيح الجامع
و معنى لتولع: أي أن العين لتلازم الرجل ملازمة الغريم لغريمه حتى يصعد لشاهق ثم يتردى منه
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: { أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله و قدره بالعين } صحيح الجامعو أورد أبو نعيم في الحلية وابن عدي بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العين تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر" .
العين قد تذهب بصحة الرجل و أهله
فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس: { مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة (نحيفة) تصيبهم الحاجة؟ قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم، قال: ارقيهم، قالت: فعرضت عليه فقال: ارقيهم} رواه مسلم
من أفضل وسائل العلاج من العين ما جاء في هذه القصة الشريفة فلنقرأها ثم بنأخذ منها الدرر ما هو علاج العين لمن أصيب بالعين ؟
جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنَ الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَكَانَ رَجُلا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ فَلُبِطَ سَهْلٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ قَالَ هلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ قَالُوا نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ ثُمَّ قَالَ لَهُ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ . وفي رواية قَالَ فَضَرَبَ صَدْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا قَالَ فَقَامَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيُبَرِّكْهُ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ .
فقد دلت القصة على أن العين حقا تصيب الإنسان في بدنه ، و بأن أفضل وسيلة هي أن يؤتى العائن فيطلب منه الاغتسال للمعين ، ثم يصب هذا الماء على المريض فيشفيه الله بإذنه سبحانه
موضوعاتك جميلة جدا، اتمنى لك التوفيق والاستمرارية اختي رجاء الخلصين
ردحذف